الحضارة الإسلامية
[الحضارة بمفهومها اللغوي تعني: الإقامة في الحضر، والحضر: المدن والقرى وعكسه البادية، والحضارة بمفهومها الاصطلاحي، تفاوتت النظرات إليها، واختلفت التشخيصات لها، فعرّف كل قوم الحضارة من وجهة نظرهم، وحدّدوا عناصرها تبعاً لأفكارهم، وتصوراتهم، والذي يعنينا هو مفهوم الحضارة من وجهة النظر الإسلامية، ولا توصف الحضارة بالإسلامية إلا إذا كان الإسلام يغطيها بقيمه وتأوي تحت جناحيه بكيانها وعناصرها.
والحضارة من منظور إسلامي يمكن أن نتصورها بما تعطيه للبشرية من تصورات ومبادئ وقيم خيّرة، وعليه فهي تتوزع على ثلاثة عناصر:
1- العنصر الأول: منهج فكري صحيح متشعب تشعب الحياة، يُقرّر أصول الاعتقاد الصحيح، وشعائر العبادة الهادفة، ومبادئ السلوك الراقي، ويحدد دوائر الغايات السامية، فالحياة السعيدة أبداً لا تنفكُّ عن هذه المبادئ والمثل في تركيبها وتكوينها.
2- العنصر الثاني: عنصر بشري راقٍ يتفاعل مع المنهج، ويقوم على حراسته والعمل به.
لأن الإنسان هو الغاية من وراء الحضارة بكل عناصرها وأشكالها وهو المنتفع بها، والآخذ بها في عمارة هذا الكون كله من عرشه إلى فرشه، ومن أصغر ذراته إلى أكبر مجراته، قال تعالى: (هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها) هود:61.
3- العنصر الثالث: غايات إنسانية، وأهداف راقية تعود بثوابتها على الحياة والأحياء بالسعادة والازدهار.
فهي غاية الوجود، ويأتي في طليعتها تعظيم الله عز وجل، وعبادته الحقة، وتحقيق العدل في الدنيا والمساواة بين الناس، وتأمين الحريات لهم، وصيانة كرامتهم، واستغلال الدنيا في وجوه الخير.
هذه هي حضارة الإسلام المتمثلة في منهج فكري رائع عبر عنه القرآن الكريم بقوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) الأنعام:153.
وإنسان راق مكرم يعمل بهذا المنهج قدر الطاقة ليحقق للإنسانية أجمع أكبر قدر من القيم الراقية، والغايات السعيدة، والآمال العريضة، في دنيا جعلها الله تعالى مهداً ممهداً وقراراً مستقراً لهذا الإنسان، يؤدي كل ما يستطيع، ويقوم بكل ما يمكن من أوجه الاستغلال لخيرات هذا الوجود، وتحقيق المصالح فيه، محفوفاً بالرعاية الإلهية، التي تبارك جهده، وتيسر أمره، قال تعالى: (فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى) طه:123.
وقال: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) التوبة:105.